بدء إعمار غزة يفشل في تغيير "واقعها الاقتصادي"

بدء إعمار غزة يفشل في تغيير "واقعها الاقتصادي"

غزة - الأناضول


أمام مبانٍ قيد الإنشاء، تدور خلاطات الإسمنت، ويرتفع صوت عمال يسابقون الزمن للانتهاء من إعادة إعمار وحدات سكنية، دمرتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، صيف العام الماضي.

وتستعد عائلات شرّدها "العدوان الإسرائيلي"، لترك "شقق الإيجار"، ومغادرة محل إقامتها للعودة إلى منازلها، بعد أن ظهرت أسماؤها في كشوفات "المنح الدولية"، التي بدأت بإعادة إعمار أعداد محدودة من البيوت المدمرة.

ورغم حركة البناء الملموسة، التي يشهدها قطاع غزة مؤخرا، إلا أن مسؤولين واقتصاديين فلسطينيين، أبدوا تشاؤمهم من تغيير الواقع الاقتصادي المتردي، وتحسين معدلات الفقر والبطالة.
مفيد الحساينة، وزير الأشغال والإسكان الفلسطيني، يقول للأناضول، إن عملية إعادة إعمار غزة تسير بوتيرة بطيئة.
ويضيف الحساينة:" هناك حركة بناء في القطاع، وقد تمكنت إحدى العائلات (الظاظا) من السكن في منزلها بعد بنائه، ونتمنى قريبا أن تتمكن كافة العائلات المشرّدة من العودة إلى بيوتها، لكن للأسف هذه الوتيرة لا تحسن من تردي الوضع الاقتصادي، ولا تنجح في التخفيف من معدلات الفقر والبطالة".

وبسبب عدم التزام الدول، التي تعهدت في مؤتمر الإعمار في القاهرة، بوعودها، إلى جانب وضع إسرائيل العراقيل أمام تدفق مواد البناء، فإن حركة البناء تسير بوتيرة بطيئة وفق تأكيد الحساينة.

ويوضح الوزير أن إعادة الإعمار حاليا تتضمن بناء ألف وحدة سكنية بتمويل من قطر، و200 وحدة من ألمانيا، وقريبا سيتم الإعلان عن إعادة إعمار 800 وحدة بتمويل من السعودية، وألفي وحدة بتمويل من الكويت، مضيفًا: "لكن أمام الدمار الواسع الذي خلفه العدوان الإسرائيلي، نبدو أمام مشوار طويل من البناء وتحسين الوضع الاقتصادي، فما تم إعماره حاليا هو أقل من 10% من عدد الوحدات السكنية المدمرة بفعل الحرب".

وفيالرابع والعشرين من يونيو/ حزيران 2015، أعلنت وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، عن انطلاق مرحلة إعمار المنازل المدمرة كلياً بفعل الحرب، عقب التوصل مع السلطات الإسرائيلية إلى اتفاق لإدخال مواد البناء لإعمار المنازل المدمّرة ولمن يرغب بالبناء، بإشراف من "UNOPS" (فريق المراقبين الدوليين لمراقبة توزيع مواد البناء التابع للأمم المتحدة)".

وبحسب الوزارة، فإن الاتفاقية تفتح المجال سواء لأصحاب المنازل المهدمة كلياً، أو للأشخاص، الذين يرغبون بإنشاء بناء جديد، أو إضافة طوابق جديدة، بتملك مواد البناء اللازمة للقيام بأعمالهم.

وشنّت إسرائيل حربًا على قطاع غزة، في السابع من يوليو/ تموز 2014، أسفرت عن هدم 12 ألف وحدة سكنية، بشكل كلي، فيما بلغ عدد البيوت المهدمة جزئيا 160 ألف وحدة، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن، بحسب وزارة الأشغال العامة الفلسطينية.

وتعهدت دول عربية ودولية في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 بتقديم نحو 5.4 مليار دولار أمريكي، نصفها تقريباً تم تخصيصه لإعمار غزة، فيما النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين.

ويقول عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في قطاع غزة إن الوكالة الأممية حصلت على تمويل يُمكّنها من بناء 1100 منزل مدمر بشكل كلي جراء العدوان الإسرائيلي.

ويضيف أبو حسنة، لوكالة الأناضول أن "أونروا" تمكنت من تسليم أول منزل كان مدمراً بشكل كلي، وهو واحد من نحو 160 منزلاً للاجئين وافقت إسرائيل مؤخرا على إدخال مواد بناء لإعادة بنائها.

ويشتمل الاتفاق الخاص بتوريد مواد البناء إلى قطاع غزة، على آلية لمراقبة ضمان عدم استخدام مواد البناء التي سيتم توريدها لأغراض أخرى بخلاف عملية الإعمار (في إشارة لاتهامات إسرائيلية لفصائل فلسطينية باستخدام مواد البناء في تشييد الأنفاق).

وترسل وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، قوائم أسماء المتضررين، إلى وزارة الشؤون المدنيّة، التي ترسلها بدورها إلى السلطات الإسرائيلية كي يتم اعتمادها.

ويؤكد أبو حسنة، أن الوكالة الأممية تبذل جهودها من أجل إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، والحصول على التمويل اللازم، لبناء المنازل المدمرة بشكل كلي، مضيفا: "حركة البناء والإعمار كفيلة بتحسين الوضع الاقتصادي، والقضاء على معدلات الفقر والبطالة التي تزداد يوما بعد آخر".

ويقول ماهر الطباع مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة، للأناضول أن الأوضاع الاقتصادية في القطاع لا تزال تشهد تدهورا غير مسبوق.

ويضيف الطباع أن عملية إعادة الإعمار بشكل جدي وحقيقي لم تبدأ، مستدركا: "ما جرى هو أن هناك حركة بناء ملموسة بفعل ارتفاع كميات الإسمنت الواردة إلى القطاع الخاص سواء عبر معبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، أو عبر معبر رفح البري الواصل مع مصر".

وسمحت السلطات المصرية، مؤخرا، بإدخال كميات من مواد البناء إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح البري، باتفاق مع تجار فلسطينيين من القطاع الخاص.

ويرى الطباع أنه أمام الأرقام التي وصفها بـ"الكارثية"، فإن بدء الإعمار، فشل حتى اللحظة في تغيير الواقع الاقتصادي لقطاع غزة.

وتابع: "لدينا أعلى معدلات بطالة في العالم، وكي تتحسن الظروف الاقتصادية والمعيشية، مطلوب حركة إعمار حقيقية، وتدفق كامل لمواد البناء، نحتاج إلى نحو 5 آلاف طن إسمنت يوميا حتى تسير عملية الإعمار بشكل طبيعي، ويتحسن الواقع الاقتصادي".

يذكر أن قطاع غزة يحتاج إلى أكثر من 2 مليون طن من الإسمنت لإعادة الإعمار خلال العامين والنصف القادمة، بحسب دراسة صادرة عن الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية، (أكبر شركة شبه حكومية حاصلة على امتياز استيراد الإسمنت من إسرائيل).

ويقول معين رجب، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، إن دوران عجلة إعمار القطاع بشكل كبير، وواسع من شأنه أن يؤدي إلى تخفيف حالات الفقر والبطالة.

ويضيف رجب لوكالة الأناضول: "هناك أكثر من 30 مهنة، (البناء والسباكة والدهان والحدادة، والنجارة، وغيرها، نتحدث عن عشرات المهن وآلاف العمال، لا يمكن أن تؤدي حركة البناء الخجولة إلى تحسين هذا الواقع الكارثي".

وبحسب اتحاد العمال في قطاع غزة، فإنّ الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، للعام الثامن على التوالي، وما خلفته الحرب الأخيرة صيف العام الماضي، رفعا عدد العاطلين عن العمل إلى 213 ألفًا، يعيلون 900 ألف مواطن.

ووفقا لتقارير أعدتها مؤسسات دولية، فإن 80٪ من سكان قطاع غزة باتوا يعتمدون، بسبب الفقر والبطالة، على المساعدات الدولية من أجل العيش.

وفي مايو/ أيار الماضي، ذكر البنك الدولي أن اقتصاد غزة ضمن أسوأ الحالات في العالم، إذ سجل أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 43% ترتفع لما يقرب من 70% بين الفئة العمرية من 20 إلى 24 عاماً.

وقال التقرير السنوي، الصادر عن منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إن غزة قد تصبح منطقة غير صالحة للسكن قبل عام 2020، خاصة مع تواصل الأوضاع والتطورات الاقتصادية الحالية في التراجع.

ومنذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006، تفرض السلطات الإسرائيلية على غزة، حصاراً خانقاً.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -