الذهب الأصفر يفقد بريقه في غزة

الذهب الأصفر يفقد بريقه في غزة
القطاع تحول من مصدر للحمضيات إلى مستورد بسبب اجراءات الاحتلال والمياه والتمدد العمراني
حياة وسوق - عبد الهادي عوكل - منذ تأسيس المنهاج الفلسطيني عقب عودة السلطة الوطنية إلى أرض الوطن وكتب الجغرافيا في المدارس الابتدائية والإعدادية وحتى وقتنا الحاضر يميزون قطاع غزة بأنه يشتهر بزراعة الحمضيات، إلا أن هذه الحقيقة ومنذ عقد من الزمن بدأت تتراجع شيئا فشيئا حتى أصبحت السوق الغزية مستوردا للحمضيات بعد أن كانت مصدرا أساسيا لها للعديد من الدول العربية والأوروبية.
خبراء الزراعة أوعزوا أسباب تراجع زراعة الحمضيات في غزة إلى قلة المساحة المزروعة بسبب ما قام به الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى من تجريف لآلاف الدونمات خاصة على الشريط الحدودي الشرقي للقطاع، والزحف العمراني بسبب الزيادة السكانية.
ولتغطية العجز في الحمضيات، اعتمد القطاع خلال السنوات الماضية على الاستيراد من مصر وإدخالها عبر الأنفاق التي كانت منتشرة حتى وقت قريب على الشريط الحدودي مع مصر، إلا أنه وبعد اغلاق هذه الأنفاق هذا العام يتم استيرادها من إسرائيل عبر معبر كرم أبو سالم.

الاستيراد بعد انتهاء المخزون المحلي
المهندس فتحي أبو شمالة مدير الإدارة العامة للإرشاد في وزارة الزراعة بغزة أوضح لـ "حياة وسوق"، ان نسبة الاكتفاء الذاتي من الحمضيات في قطاع غزة تصل الى 70%، والباقي يتم استيراده من داخل الخط الأخضر، موضحا ان الوزارة تمنع في الوقت الحالي الاستيراد بسبب وجود ما يكفي للسوق من المنتج المحلي من حمضيات، ويتم السماح بالاستيراد بعد انتهاء المخزون الموجود في القطاع حتى لا يؤثر المستورد على المنتج المحلي.
وعن أسباب تحول قطاع غزة من مصدر للحمضيات الى مستورد لها، أوضح أبو شمالة ان الاحتلال منذ عام 1967 كان يعمل على محاربة الحمضيات في القطاع بسبب منافستها للمنتج الإسرائيلي من خلال عدم سماحه بتطوير الزراعة وانشاء آبار المياه وزيادة المساحات المزروعة إضافة الى العراقيل التي كان يضعها على المصدرين والشروط التي يقيد بها المزارع للسماح له بالتصدير، ومن هنا كان المنتج يبقى في السوق المحلية بكثرة وبأسعار مناسبة جدا للمستهلكين وتناسب جميع الطبقات.
واضاف ان انخفاض نسبة المياه العذبة وارتفاع نسبة ملوحة المياه اثر سلبا على زراعة الحمضيات التي تحتاج الى مياه عذبة وهو ما أدى الى قلة المساحة المزروعة، وتحول المزارع الى الاهتمام بزراعات أخرى كالزيتون والعنب والنخيل. وتابع: "التمدد العمراني اثر ايضا على مساحة الأراضي المزروعة بالحمضيات".
وأوضح ان الاحتلال جرف خلال انتفاضة الأقصى 40.000 دونم من الأراضي التي كانت مزروعة بالحمضيات ورفض أصحابها تجديدها لعلمهم المسبق ان الاحتلال سيعود لتجريفها مرة أخرى.
ولفت أبو شمالة إلى ان الإنتاج الإجمالي من الحمضيات في قطاع غزة في زمن السبعينيات كان يصل الى 280.000 طن سنويا، وكان يصدر منه ما نسبته 90% الى الدول العربية وشرق أوروبا، بينما كانت نسبة الأراضي المزروعة تصل الى 72.000 دونم، وتقلصت الآن الى 16.000 دونم، 10.000 منها مثمر والباقي اشتال.
من جهته، أكد الدكتور ماهر الطباع مدير العلاقات العامة والإعلام في الغرفة التجارية بغزة ان "الذهب الأصفر (الحمضيات) فقد بريقه في قطاع غزة، واختفى من الأسواق وحل محله المستورد"، مشيرا إلى أنه اليوم لا وجود لمصدري الحمضيات في القطاع.
وأوضح الطباع في تصريح خاص لـ "حياة وسوق"، ان قطاع غزة اشتهر خلال العقود الثلاثة من القرن الماضي بزراعة الحمضيات وتصديرها إلى الدول العربية والأوروبية، وكانت تشكل دخلا اقتصاديا كبيرا للقطاع، وأطلق على تلك الفترة العصر الذهبي للحمضيات وكان يطلق عليها الذهب الأصفر لعوائدها الكبيرة، أما اليوم فأصبح محصول القطاع مما تبقى من الحمضيات ينفد في شهر شباط بعد أن كان يغطي حاجة السوق المحلية لنهاية شهر أيار.
وقال الطباع: بسبب سياسة إسرائيل انخفضت كمية إنتاج الحمضيات من عام 1994 إلى عام 2006 بنسبة تزيد عن 70 % حيث بلغت الكمية المنتجة 103774 طنا في عام 1994 وبلغت 19500 طن تقريبا عام 2006.
كذلك انخفضت كمية تصدير الحمضيات من عام 1994 إلى عام 2006 بنسبة تزيد عن 90 %، حيث صدر 89307 أطنان عام 1994 مقابل 1733 طنا عام 2006، وكانت آخر كمية من الحمضيات تصدر من قطاع غزة إلى الخارج، حيث فرض الجانب الإسرائيلي الحصار على القطاع.
وبين ان إنتاج قطاع غزة من الحمضيات لعام 2013 يقدر بحوالي 20 ألف طن، وهو ما يشكل 65 % من احتياجه، أي أن نسبة العجز تبلغ 35% حيث إن الاحتياج الكلي يبلغ 35 ألف طن سنويا، وخلال سنوات الحصار اعتمد القطاع على جلب الحمضيات من جمهورية مصر العربية عبر الأنفاق نتيجة شح المحصول ولتغطية العجز في الأسواق، والآن وبعد إغلاق الأنفاق أصبح الاعتماد الكلي على الأسواق الإسرائيلية.
وعزا الطباع انخفاض إنتاج الحمضيات إلى العديد من الأسباب أهمها: تجريف مساحات واسعة من الأراضي من قبل قوات الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى والحروب والهجمات العسكرية على قطاع غزة، وعدم اهتمام المزارعين بشجرة الحمضيات نتيجة تدني الأسعار، وارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل بسبب الحصار المفروض من قبل قوات الاحتلال على غزة، وتقليص المساحات المزروعة بالحمضيات بسبب النقص الحاد في المياه المتاحة للري، وتحويل جزء من الأراضي المزروعة بالحمضيات إلى زراعة الزهور والتوت الأرضي والخضار ومنتجات أخرى لوجود جدوى اقتصادية فيما يتعلق في استخدام المياه والتصدير الخارجي، وارتفاع أسعار الأراضي والتوسع السكاني.
وأضاف أن من أهم أسباب تدهور وانخفاض كميات تصدير الحمضيات تحويل التصدير من معبر بيت حانون إلى معبر المنطار.
وقال: "الحمضيات كانت تصدر من خلال قوافل الشاحنات الفلسطينية إلى الخارج عبر معبر بيت حانون باستخدام حوالي 93 شاحنة مجهزة ومخصصة لذلك من غزة إلى منطقة الشونة في الأردن بشكل مباشر".

مواطنون يتذمرون من الأسعار
ونظرا للوضع الاقتصادي الصعب في غزة، فإن الكثير من المواطنين ليست لديهم المقدرة لشراء الحمضيات بسبب ارتفاع اسعارها.
المواطن أبو أحمد عوض (رب اسرة مكونة من 7 أفراد ويعمل سائق تاكسي) يقول لـ "حياة وسوق" انه لا يستطيع شراء الحمضيات بكميات كبيرة كما كان معتادا في السابق، كما انه لا يقدر على شرائها في بداية الموسم وينتظر وسط الموسم لشرائها بسبب الأسعار.
وأوضح أنه يحتاج 5 كيلو برتقال في المرة الواحدة كي تكفي اسرته، بينما البوملي لا يستطيع شراءه بالمطلق بسبب ارتفاع سعره حيث يصل سعر الحبة الواحدة الى 7 شواقل، ويتراوح سعر كيلو البرتقال من 4 -5 شواقل. إلا أن الخبير الطباع رأى أن الأسعار مناسبة ولكن المشكلة تكمن في ضعف القدرة الشرائية للمستهلك بسبب انتشار البطالة في قطاع غزة التي وصلت الى 55 %.
ومع تحول قطاع غزة من مصدر للحمضيات الى مستورد، هل ستتمكن وزارة الزراعة من التغلب على العقبات التي تعترض الارتقاء بإعادة بريق هذه الزراعة مرة أخرى، ام ان الوضع بحاجة الى تغيير المناهج التعليمية خاصة مادة الجغرافيا والاشارة الى ان اشتهار غزة بالحمضيات اصبح من الماضي؟


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -