التهدئة في غزة تدخل شهرها الثاني ولا تغيير سوى صمت المدافع

التهدئة في غزة تدخل شهرها الثاني ولا تغيير سوى صمت المدافع


غزة ـ «القدس العربي»: دخل الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، الذي وضع حدا للعدوان الإسرائيلي الشرس على قطاع غزة، شهره الثاني، لكن دون ان يطرأ أي تغير على حياة المواطنين الذين يعانون من أوضاع مأساوية جراء الحرب التي خلفت أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى، علاوة على تدمير آلاف الوحدات السكنية. وحتى الان فلا المعابر فتحت أبوابها كما وعد ولا إسرائيل أوقفت خروقها لهذا الاتفاق.
وتوصلت الفصائل الفلسطينية التي تمثلت في وفد موحد يرأسه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، ويضم قيادات من الفصائل على رأسها حماس، بعد مفاوضات شاقة وغير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي برعاية مصرية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لينهي الحرب بعد 51 يوما، مخلفة أكثر من 2200 شهيد، و11 أف جريح، وتدمير نحو 40 ألف وحدة سكنية.
ونص الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار، وعلى فتح المعابر مع قطاع غزة وحرية حركة الأفراد، وتبادل البضائع بين الضفة الغربية وغزة، كما تضمن إعادة إعمار القطاع وإصلاح البنية الأساسية وإدخال مواد البناء وتسهيل الدعم الطبي للجرحى، وأعطى الاتفاق حرية في العمل للصيادين ومزارعي الحدود في القطاع على ان تتم العودة قبل نهاية شهر من الاتفاق الذي أبرم في 26 اب/ ابريل الماضي، للقاهرة لعقد جلسة مفاوضات اخرى، لبحث باقي الملفات وهي الأسرى والمطار والميناء.
وعاد وفد الفصائل وعقد لقاء غير مطول مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسطاء المصريين، جرى خلاله الاتفاق على تثبيت التهدئة، وعلى وضع جدول لبحث الملفات المتبقية في النصف الأخير من الشهر المقبل.
لكن خلال فترة الشهر الماضي خرقت إسرائيل أكثر من مرة اتفاق التهدئة، من خلال ملاحقة واعتقال الصيادين في عرض البحر، وتنفيذ عمليات توغل محدودة في المناطق الشرقية لقطاع غزة.
وفي قطاع غزة ورغم الاتفاق لم يشعر السكان بأي تغيير، سوى انتهاء الحرب ووقف إسرائيل عمليات القتل التي كانت تطول السكان، وأسفر الكثير منها على إبادة عائلات بأكملها، وشطبها من السجل المدني، إضافة لوقف سياسة هدم المباني.
ويقول محمد عليان وهو شاب في العقد الثالث أنه يأمل بأن تشهد الأيام المقبلة انفراجة في القطاع، من خلال فتح أسواق العمل من جديد، التي توقفت بفعل الحصار، ويقول إنه يعيل أسرة من ستة أفراد، وتوقف، كحال الكثير من الغزيين عن العمل، بسبب منع إسرائيل دخول مواد البناء.
وينظر الفلسطينيون في قطاع غزة إلى ذلك اليوم الذي تعاد فيه فتح المعابر المغلقة من قبل إسرائيل، منذ أن فرضت حصارها على السكان قبل ثماني سنوات.
ومنذ فرض الحصار تمنع إسرائيل دخول المواد الخام ومواد البناء، وهو ما أدى إلى تفاقم نسب البطالة والفقر، ويأمل السكان بأن تعاد عجلة الاقتصاد مجددا في غزة، من خلال توفير فرص عمل ضمن عمليات إعادة بناء ما دمرته إسرائيل في الحرب.
ومن المقرر أن تستضيف العاصمة المصرية القاهرة مؤتمر المانحين الذي سترأسه النرويج ومصر في نهاية تشرين الاول/ أكتوبر المقبل، لإعادة إعمار قطاع غزة، بتوفير نحو أربعة مليارات دولار، تكلفة اعادة الأعمار.
وقد توصلت الأمم المتحدة وإسرائيل مع السلطة الفلسطينية، الى اتفاق لعملية الإعمار، ومراقبة مواد البناء، يقوم على نشر مراقبين دوليين في القطاع، مهمتهم متابعة مواد البناء التي تدخل من المعابر، حتى الوصول إلى المكان المخصص لها، وذلك لتبديد حجج إسرائيل من وصول هذه المواد للفصائل المسلحة لتشييد الأنفاق.
واشترط المجتمع الدولي أن تكون أجهزة حكومة التوافق الوطني والسلطة الفلسطينية هي التي تشرف على معابر غزة، وعلى القطاع بشكل كامل، قبل الشروع بعملية إعادة الاعمار.
ولا يشعر السكان حتى اللحظة بوجود أي تغيير على المعابر، سوى دخول بعض الشاحنات التي تقل مساعدات من خلال المعابر التي تربط غزة بإسرائيل، وأحيانا من معبر رفح البري الذي يقع بين قطاع غزة ومصر، وهو لم يفتح بصورة كاملة، وتحتاج عملية فتحه حسب طلب مصر أن يكون خاضعا لإشراف الحرس الرئاسي وحكومة التوافق.
ولم تعترض حركة حماس على ذلك، وأعلنت أكثر من مرة ترحيبها بعودة الحرس الرئاسي لمعبر رفح، وفي المباحثات الأخيرة مع حركة فتح التي انتهت نهاية الأسبوع الماضي في القاهرة يوم الخميس الماضي. بعد غياب دام أكثر من سنة، أعلنت موافقتها على ذلك، وعلى أن تتولى حكومة التوافق مهمة الإشراف على المعابر وعملية الإعمار.
لكن الخبراء في الشأن الاقتصادي لا يرون أن الآلية الجديدة للإعمار ستساهم في تخفيف عبء الحصار. ويرى ماهر الطباع، وهو مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة وخبير اقتصادي، ان العملية ستدار بـ «نظام كوبونات»، وتحدث الطباع عن «حالة القلق والتشاؤم لدي مواطني غزة من المصير المجهول التي آلت إليه الأوضاع فيغزة»، وذلك مع مرور الوقت وبقاء الحال على ما هو علية دون أي تغير ملحوظ، عقب حالة التفاؤل التي انتابتهم بعد انتهاء الحرب ووعود رفع الحصار المفروض منذ ثماني سنوات.
ورأى أن الاتفاق بين السلطة وإسرائيل والأمم المتحدة على طريقة الإعمار يعتبر «تجميلا واستمرارا للحصار برعاية دولية أممية وليس إنهاء الحصار كما تم الاتفاق عليه في مفاوضات القاهرة لوقف إطلاق النار».
وأكد أنه حال تم تطبيق «آلية الرقابة العقيمة» على دخول مواد البناء سوف يحتاج قطاع غزة إلى 20 عاما لإعادة إعماره، حسب بيانات استقاها من إحدى الشركات الدولية.
وقد أعلن الدكتور محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس أن حركته التقت بمنسق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري، قبل لقاء وفد فتح، وأبدت ترحيبها بأي آلية يتم من خلالها إدخال مواد البناء إلى غزة، بشرط أن لا تمس بكرامة الشعب الفلسطيني.
ونقلت وكالة «معا» المحلية عن الزهار القول «أدخلوا المواد بالطريقة التي ترونها مناسبة، المهم إعادة إعمار البيوت التي دمرها الاحتلال».
ولا تزال هناك آلاف الأسر الغزية تبيت في «مراكز إيواء» غير مخصصة للعيش بعد هدم إسرائيل منازلهم بالكامل، وهذه المراكز أقامتها وكالة «الأونروا» في مدارسها المنتشرة في عدة مناطق مختلفة، ويأملون في إعادة تشييد منازلهم بشكل سريع.
وخلال الحرب دمرت إسرائيل مساحات واسعة من القطاع، وقدرت عمليات التدمير بأنها طالت نحو 20% من مساحة القطاع المستخدمة في السكن.
ويلاحظ التدمير الكبير في المناطق الشرقية لمدينة غزة ومدينتي خان يونس ورفح جنوب القطاع، وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون شمالا.
وفي هذا الخصوص حذر آفي إيسخاروف المحلل الإسرائيلي المختص بالشؤون الفلسطينية من استمرار الوضع الحالي، رغم أنه قال إن حماس غير معنية بالتصعيد العسكري، لكنه قال إن ذلك سيؤدي على الأرجح إلى «انخفاض التأييد للحركة، وكل الشعبية التي حصلت عليها حماس بعد الحرب»، مشيرا إلى أن داخل قيادة حماس العسكرية هناك حاليا عدد ليس بقليل من الأشخاص الذي يؤيدون فكرة تجديد إطلاق النار باتجاه إسرائيل، وأنهم يعتقدون أن إطلاق عدد من الصواريخ من شأنه أن يكون بمثابة «تذكير مؤلم لإسرائيل بأن غزّة بحاجة إلى إعادة بناء».
واندلعت الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد قطاع غزة، وهي الحرب الأعنف والأطول التي يشهدها منذ بداية الصراع، بعد أن شددت إسرائيل من حصارها ضده.
وخلال الحرب ردت المقاومة الفلسطينية المسلحة على الهجمات الإسرائيلية الدامية بإطلاق آلاف الصواريخ والقذائف على غالبية المدن والبلدات الإسرائيلية.
ووصلت بعض الصواريخ إلى مدى 160 كليومترا عن غلاف غزة، وذلك للمرة الأولى في المواجهات.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -