مخاوف في غزة من استغلال نظام «كوبونة الأسمنت» لتجميل الحصار برعاية أممية

مخاوف في غزة من استغلال نظام «كوبونة الأسمنت»

 لتجميل الحصار برعاية أممية


غزة ـ «القدس العربي»: مع بداية التحركات العملية لعملية إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في عدوانها الأخير على قطاع غزة، من خلال الاتصالات التي شهدتها مدينة نيويورك تمهيدا للمؤتمر الكبير للإعمار الذي تقرر عقده في تشرين الاول/ أكتوبر المقبل في العاصمة المصرية القاهرة برعاية مصرية نرويجية مشتركة، لا يعرف الكثير من الفلسطينيين عن الآلية التي ستتم من خلالها هذه العملية. لكن على الأغلب فإن الإشراف التام عليها سيخضع لرقابة ومتابعة دقيقة من الأمم المتحدة، بعدما كشف عن آلية دولية لتوزيع مواد البناء وفق نظام الحصص، وهو أمر دعا خبير اقتصادي معروف إلى التأكيد أن الإعمار لا يكون بـ»الكوبونة».
ففي خضم تفاؤل سكان قطاع غزة خاصة من هدمت منازلهم، وأصبحوا مشردين في «مراكز إيواء» أو في بيوت مستأجرة أقل من حيث الجودة والمساحة من منازلهم المدمرة، بقرب انطلاق عملية إعادة إعمار قطاع غزة، بعد مؤتمر المانحين، وبعد الكشف عن قيام دول عربية كالسعودية بالتبرع بنصف مليار دولار، والتوقع بأن تحذو حذوها دول خليجية وأخرى أوروبية، إلا أن الخشية من تباطؤ التنفيذ في المستقبل، يسيطر الآن على تفكير الأهالي، في ظل حديث الأمم المتحدة عن آليات ومراقبين لمتابعة العملية، وشروط واتفاقيات مع إسرائيل لهذا الأمر.
جل الحديث في القطاع المحاصر الذي تمنع إسرائيل عنه دخول مواد البناء منذ أن فرضت الحصار قبل ثماني سنوات، ينصب على إعادة الإعمار، فحجم الدمار الذي خلفته الحرب الإسرائيلية كبير، فهناك أحياء على الحدود الشرقية للقطاع التي شهدت توغلا بريا خلال الحرب الإسرائيلية «الجرف الصامد» التي دامت 51 يوما، سويت بالأرض بالكامل، ولجأ من بقي من السكان أحياء الى «مراكز إيواء» ومساكن مستأجرة وأخرى للأقارب. وهناك أيضا منازل ومؤسسات ومراكز مختلفة تعرضت للقصف المباشر، وجاءت عليها الصواريخ الإسرائيلية بالكامل، وسكانها يعانون كثيرا، وسوء أحوالهم سيزداد مع اقتراب حلول فصل الشتاء.
ويقول أديب محمد وهو احد من هدمت منازلهم أن آماله الآن معلقة برؤية منزله المدمر قد أعيد بناؤه. ويشير إلى أن فرقا من «الأونروا» وصلت بعد انتهاء الحرب، وعاينت منزله الذي انهار بالكامل جراء استهداف منزل وأراض مجاورة له.
ويضيف انه رغم ذلك إلا أنه لا ينظر إلى المساعدات الإغاثية بقدر ما يرى منزله قد أعيد بناؤه من جديد، فالرجل يقطن الآن في غرفة مساحتها 12 مترا مربعا عند نجله الأكبر، هو وأسرته المكونة من ستة أفراد.
يذكر ان سكان المنازل المدمرة تلقوا مساعدات إغاثية من جهات محلية ودولية، غير أنها لا يمكن الاعتماد عليها في مواجهة صعوبات العيش.
ومن المقرر أن تستضيف العاصمة المصرية القاهرة مؤتمرا للمانحين برعاية مصرية نرويجية مشتركة، تدعى إليه الدول العربية والأجنبية الغنية، لتوفير أربعة مليارات دولار لصالح إعادة إعمار غزة.
وقد بدأت كل من مصر الدولة المستضيفة والنرويج، بتوجيه دعوات لنحو 80 دولة عربية وأجنبية ومنظمات تمويل عالمية لحضور المؤتمر.ولا تزال هناك لجان من مؤسسات دولية مثل مشروع التنمية التابع للأمم المتحدة و»الأونروا» تعمل على حصر الأضرار في قطاع غزة.
ولا تعرف بعد الطريقة التي ستنفذ بها عملية الإعمار. فرغم الحديث عن طلب المجتمع الدولي أن تكون حكومة التوافق الوطني مسوولة بالكامل عن العملية، كما صرح بذلك رئيس هذه الحكومة الدكتور رامي الحمد الله، وهو أمر لا تمانعه حركة حماس الموجودة بقوة في غزة، وكانت تقود القطاع قبل تشكيل الحكومة، إلا أن ما كشف قبل يومين عن نية الأمم المتحدة بصفتها «الجهة المشرفة» على الإعمار بإرسال عشرات المراقبين إلى غزة، لمتابعة عمليات إعادة الإعمار وفق النظام الذي سيتبع في مرحلة البناء يثير المخاوف.
وهذا النظام حسب ما أعلن، جاء باتفاق لم يكشف عن تفاصيله الدقيقة بعد بين كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأمم المتحدة.
لكن «لقدس العربي» علمت من مصادر مطلعة ان النظام الذي سيتبع وفق الاتفاق سيخضع لآلية مشددة خلال إحصاء أو توزيع كميات مواد البناء خاصة الأسمنت المسلح والحديد. فتشييد الوحدات السكنية في كل منطقة سيسبقه قياس دقيق للكميات المطلوبة، وسيرسل ذلك إلى الجانب الإسرائيلي لأخذ الموافقة عليه، ومن ثم ستخضع كميات مواد البناء التي تدخل القطاع لرقابة من مفتشين تعينهم الأمم المتحدة، سيتابعون مرور هذه المواد حتى توضع في مكان البناء المطلوب.
وقد كشف قبل يومين نقلا عن دبلوماسيين أوروبيين وموظفين إسرائيليين رفيعي المستوى تأكيدهم أن مبعوث الأمم المتحدة روبرت سيري، معني بنشر مئات المفتشين الدوليين لمراقبة عملية إعمار غزة.
ولا يرى الخبراء والمستوى الاقتصادي في الآلية التي كشف عنها بارقة أمل إيجابية تجاه تعمير القطاع. فقد وصف الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، وهو مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية في غزة، العملية بأنها «نظام كوبونات»، وقال إنه لا يعمر القطاع.
وأكد في مقال كتبه خصيصا عن الموضوع وأرسلت لـ القدس العربي نسخة منه أن «حالة القلق والتشاؤم لدى مواطني غزة من المصير المجهول الذي آلت إليه الأوضاع في قطاع غزة» بدأت تتسرب إليهم مع مرور الوقت وبقاء الحال على ما هو عليه دون أي تغيير ملحوظ، عقب حالة التفاؤل التي انتابتهم بعد انتهاء الحرب ووعود رفع الحصار المفروض منذ ثماني سنوات.
وقال «زادت حالة التشاؤم بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق ثلاثي بين السلطة وإسرائيل والأمم المتحدة للبدء في إدخال مواد البناء الضرورية لإعادة الإعمار.
ورأى أن هذا الاتفاق يعتبر «تجميلا واستمرارا للحصار برعاية دولية أممية وليس إنهاء للحصار كما تم الاتفاق علية في مباحثات القاهرة لوقف إطلاق النار».
وقال الطباع إن الاتفاق يفرض رقابة أمنية صارمة وشديدة على كل تفاصيل إدخال مواد البناء وتجهيز قاعدة بيانات تراقبها إسرائيل تشتمل على مجمل المشاريع والقائمين عليها، وحصول مورد أو موزع مواد البناء على ترخيص من حكومة رام الله وكأنه لا توجد حكومة وفاق وطني. كما قال إنه وفق الاتفاق يجب على القطاع الخاص أن يأخذ موافقة الحكومة الفلسطينية في رام الله على المشاريع التي ينوي القيام بها.
وأضاف «بهذه الطريقة لن تكون هناك عملية إعمار جدية وسريعة لأن القطاع لا يحتاج فقط للإعمار بل يحتاج للعديد من المشاريع التنموية المتوقفة على مدار ثماني سنوات من الحصار». ووجه الخبير الاقتصادي في مقاله سؤالا لروبرت سيري المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، بصفته من سيشرف على تنفيذ الآلية «في حال رغبة مواطن ببناء غرفة في منزلة أو طابق جديد أو تشطيب وحدة سكنية، هل سيحصل على كوبونة خاصة بالاسمنت من الأونروا، أم سيشتري الاسمنت الوارد ضمن رقابة الأونروا من السوق السوداء بأضعاف ثمنه الحقيقي؟».
وأكد أن قطاع غزة يحتاج لإعادة إعماره فترة خمس سنوات، من خلال إدخال ما يزيد عن 400 شاحنة يوميا فقط من مواد البناء، دون رقابة أو قيود. واستطرد أنه حال تم تطبيق «آلية الرقابة العقيمة» على دخول مواد البناء سيحتاج قطاع غزة إلى 20 عاما لإعادة إعماره، حسب بيانات استقاها من إحدى الشركات الدولية.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -