غزة تحن إلى الخبز في الحرب

غزة تحن إلى الخبز في الحرب

بيان عبد الواحد
غزة | منذ منتصف الحرب، بدأ قطاع غزة يشهد نقصاً واضحاً في مخزون الدقيق الذي يصنع منه الخبز ما أثر في إنتاج كل من البيوت والمخابز التي تفتقر إلى الكهرباء والسولار اللازم لتشغيل أفرانها. في هذا المشهد يمكن القول إن الغزاويين صاروا يحنون إلى الخبز كشوق «درويش» إلى خبز أمه، ويوميا هم يصطفون بالمئات قبالة أبواب المخابز لساعات طويلة في انتظار الحصول على بضعة أرغفة، ليسدوا بها جوعهم، معرضين أنفسهم للخطر بسبب القصف المكثف والعشوائي.
كلما كانت الطائرات تقصف هدفا قريبا، كانت الأرض تتحرك تحت أقدام المصطفين في طابور أمام أحد المخابز في منطقة النصر غرب مدينة غزة. يظهر عدد لا بأس به من الصغار في الطابور. أحد الأطفال واسمه ياسر السعدي (7 اعوام) كان يزداد تمسكا بثياب شقيقه الأكبر كلما اشتد صوت القنابل، فيما يصبره شقيقه الذي يتقدمه في الطابور بكلمة «اقترب الدور».

أمضى هذان الشقيقان أكثر من ساعتين وهما على هذه الحال أمام مخبز «العائلات» في انتظار شراء حزمة خبز تبلغ قيمتها ثمانية شواكل (2.5$)، وبمجرد أن تسلما الحزمة أمضيا ساعة كاملة مشيا على الأقدام وصولا إلى مخيم الشاطئ غربا. ويقضي المواطنون ومنهم سيدات طاعنات في السن ساعات طويلة في طوابير الانتظار.

ولم يسعف القدر المواطنة انتصار عايش في إعداد الخبز لأبنائها بسبب انقطاع التيار الكهربائي لليوم الرابع على التوالي، عن مسكنها الواقع في حي الزيتون جنوب ـ شرق مدينة غزة، لهذا اضطرت إلى إرسال أبنائها إلى المخابز من أجل شراء الربط الجاهزة. وتجتهد المواطنة عايش في تقسيم الخبز ليكفي أبناءها الستة ليومين متتاليين، مؤكدة أن الأوضاع تزداد سوءا، إضافة إلى نقص المواد التموينية من منزلها.
وقد بدا الإرهاق جليا على ملامح الحاج أبو أسعد المصري، الذي لجأ هو وأسرته إلى بيت أحد أقربائهم في مخيم خان يونس جنوبي القطاع آتيا من بلدة عبسان شرقا، فهو يمكث أكثر من ساعة منتظرا وصول دوره في الحصول على حزمة الخبز. وقد وزع المصري المهمات بين أفراد أسرته، فبعضهم ذهب للبحث عن مراكز توزيع المياه المحلاة لتعبئة الغالونات الفارغة اللازمة للشرب، وآخرون للبحث عن وقود لتشغيل المولد، أما هو، فآثر الذهاب إلى المخبز عسى أن يشفق المصطفون على حاله، ويراعوا ظروفه الصحية المتردية ويقدموه في الدور، لكن معظمهم تمسكوا بمواقعهم داخل الطابور الممتد لأكثر من خمسين مترا.
أصحاب المخابز لم يرفعوا أسعار الخبز كثيرا، لكن أبو أحمد أبو إسكندر، وهو صاحب أحد المخابز في غزة، أكد أنهم يعانون جراء انقطاع الكهرباء، لافتا إلى أنه يضطر إلى تشغيل المولد 24 ساعة متواصلة من أجل تغطية احتياجات المواطنين.
ورغم تكلفة الوقود اللازم لتشغيل المولد، التي قدرها أبو إسكندر بـ2500 شيكل يوميا (720 دولارا)، فإنه ذكر أن المخزون لديه لن يكفي لتشغيل المخبز إلا لأيام قليلة، ما لم يجرِ تزويده بالوقود. ويبدي مالك المخبز مخاوف كبيرة من جراء تكدس الأهالي أمام مخبزه حتى ساعات متأخرة من الليل، وخصوصا أن الطائرات الحربية لا تتوانى عن استهداف المواطنين الآمنين، لذلك يشرح أن الناس باتوا يخاطرون بأرواحهم في سبيل الخبز.
الخبير الاقتصادي الفلسطيني ماهر الطباع أكد بدوره أن نحو مليون و800 ألف مواطن في قطاع غزة مقبلون على كارثة إنسانية جراء استمرار انقطاع التيار، دون أفق للحل القريب، بسبب قصف محطة التوليد، ما يعني أن الأزمة ستبقى مستمرة إلى ما بعد الحرب. وأوضح لـ«الأخبار» أن القطاع يخضع الآن لسياسة العقاب الجماعي. وقال الطباع: «غزة ستواجه تداعيات خطيرة وكارثية، وخصوصا على محطات المياه ومزودي المواد الغذائية، وخاصة المخابز»، لافتا إلى أن الأزمة ستطاول أيضا آلاف المصابين في المستشفيات.
http://www.al-akhbar.com/node/212870
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -