عمال غزة الأكثر تضرراً من العدوان

عمال غزة الأكثر تضرراً من العدوان


فلسطين- الوطن- أمين بركة
لعل شريحة العمال في قطاع غزة كانت أشد من أعمل العدوان الإسرائيلي على غزة فيهم مبضعه، فأضحوا من أشد طبقات المجتمع في قطاع غزة فقرا، ولم تجد المساعدات الإنسانية نفعا أمام هؤلاء بسبب الحصار والعدوان الإسرائيلي المستمرين. 
فقد دمر الحصار المستمر منذ ثماني سنوات ثم الحروب الإسرائيلية الثلاثة- التي كان آخرها وأكبرها «الجرف الصامد» الذي بدأته إسرائيل في السابع من يوليو الفائت- وبشكل شبه كامل الاقتصاد الفلسطيني، وأضافت الآلاف لقائمة المتعطلين عن العمل.
كما ازدادت معاناة العمال في قطاع غزة مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية جراء الهجوم الإسرائيلي الذي أوقع أكثر من ألفي شهيد وآلاف الجرحى ودمر البنية التحتية للقطاع.
وبدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي في السابع من يوليو الماضي عدوانا واسعا على قطاع غزة سمته «الجرف الصامد»، مبررة ذلك بالرد على إطلاق صواريخ فلسطينية على جنوب إسرائيل، وهدم أنفاق المقاومة الفلسطينية المنتشرة على طول الحدود الشمالية والشرقية لقطاع غزة.
وتشترط الفصائل الفلسطينية، رفع كافة أشكال الحصار عن قطاع غزة، من أجل التوصل لاتفاق تهدئة مع إسرائيل.

ظروف صعبة

وقال الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إن خسائر العمال في قطاع غزة بلغت حوالي 75 مليون دولار جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع. وأوضح الاتحاد أنه تم الاتفاق مع الاتحاد الدولي لنقابات عمال العالم على تبني حملة تضامن دولية، لفتح حسابات مصرفية لإيصال مساعدات للشعب الفلسطيني، مضيفا أنه يقود حاليا حملة للتواصل مع جميع الاتحادات الدولية للتضامن مع القطاع وعماله.
وقال إن 200 ألف عامل، من أصل 330 ألف عامل في سوق العمل الفلسطيني بقطاع غزة، باتوا عاطلين عن العمل، مؤكدا أن الحصار بالتزامن مع الحرب، أوصلا العمال في قطاع غزة إلى حافة الهاوية.
وأشار الاتحاد إلى أنه تم تسريح 30 ألف عامل، منذ بداية العدوان الإسرائيلي، الذي دمر عددا هائلا من المصانع والورش والشركات والمحلات التجارية، بالإضافة إلي وصول عدد العمال المتعطلين عن العمل لقرابة 170 ألف عامل، بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنوات، وفقا للبيان.
ووفق أرقام فلسطينية أولية فإن خسائر المصانع في غزة، خلال الحرب الإسرائيلية، تقدر بمئات ملايين الدولارات، إذ تم تدمير قرابة 450 مصنعا بشكل كلي، بالإضافة إلى 500 مصنع ومنشأة صناعية تم تدميرها جزئيا.
وفي تقرير نشرته في وقت سابق، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» إن معدل الفقر في قطاع غزة بلغ مطلع العام الحالي 52 %، في حين بلغ معدل البطالة 45 %. وتفرض إسرائيل حصارا مشددا منذ ثماني سنوات على قطاع غزة، وتمنع بموجبه دخول الكثير من المواد الأساسية، كما شنت ثلاث حروب شرسة في ديسمبر 2008 ونوفمبر 2012 ويوليو 2014 راح ضحيتها المئات من الشهداء وآلاف الجرحى وتدمير البنية التحتية للقطاع.
ويعيش 1.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة واقعا اقتصاديا وإنسانيا صعبا، خاصة في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي المتزامن مع إغلاق الأنفاق الحدودية من قبل السلطات المصرية.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن قطاع غزة اعتمد بعد عام 2007 بشكل كبير على تلك الأنفاق لإدخال البضائع الضرورية من مصر لسد احتياجات أهالي قطاع غزة اليومية، خاصة أن نحو 52 % من مجموع سكان قطاع غزة، هم من الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر.
وأدت الحملة التي يشنها الجيش المصري على الأنفاق الحدودية مع قطاع غزة منذ عزل الرئيس محمد مرسي إلى تقلص كميات المواد المدخلة عبرها بشكل كبير، ما انعكس بالسلب على مختلف مناحي الحياة في القطاع، ونتج عنه ارتفاع أسعار الوقود ومواد البناء والسجائر.
وتدخل البضائع بشكل رسمي إلى غزة عبر معبر كرم أبوسالم وهو المعبر الوحيد الذي وافقت إسرائيل على استمرار العمل فيه كمعبر تجاري، بعد إغلاق ثلاثة معابر رئيسية هي صوفا وناحل عوز والمنطار، فيما لم يعد يدخل من الأنفاق الحدودية مع مصر أي وقود في ظل إغلاق معبر رفح البري.
كما يعاني غزة من إغلاق معبر رفح بشكل شبه مستمر منذ عام 2007، أي بعد انسحاب الوفد الأوروبي الذي كان مسؤولا عن المراقبة في المعبر وفق اتفاقية المعابر التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع الاحتلال عام 2005.
ويحذر اقتصاديون من أن أهالي قطاع غزة سيواجهون آثارا كارثية في المدى المنظور مع استمرار الحرب والحصار وإغلاق معبر رفح، خاصة في ظل الطلب المتزايد على السلع والبضائع. وتتزايد احتياجات قطاع غزة للأغذية في ظل ارتفاع النمو السكاني الذي يصل إلى نحو 4 % سنويا، حيث يحتاج سكان القطاع يوميا إلى 650 طنا من القمح و73 طنا من الأرز فضلا عن 43 طنا من الزيوت وستة أطنان من الشاي ناهيك عن 230 طنا من الحليب، وهي المادة الأهم للمجتمع في القطاع، وبشكل أساسي للأطفال الذين يشكلون نسبة كبيرة منه.


حالة إنسانية
وتشكل معاناة العامل محمد عامر من مدينة غزة حالة إنسانية صعبة بسبب تعطله عن العمل منذ ثماني سنوات.
ويحوي منزل أبو محمد بين جدرانه أطفالا ونساء تتآكل أجسادهم وتضعف قواهم جوعا وفقرا، حيث يصحو أطفال العامل العاطل كل يوم بوجوه شاحبة لم يمح النوم عنها آثار الجوع الذي أصابهم بسبب الفقر.
ويشكو هذا العامل الغزي من حرمانه من فرصة عمل يعود بأجرتها لأبنائه كل مساء.
ويقول: «من سنة 2006 وأنا عاطل عن العمل، ولولا بطالة أو معونة تأتي كل فترة من هنا وهناك لمددنا أيدينا للناس، حتى أن هذا يعد مذلة، لكن ليس بيدي شيء أفعله في هذا الوضع المتأزم».

مصير مجهول

ويؤكد الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد أن العمال الفلسطينيين وعائلاتهم يواجهون مصيرا مجهولا بسبب الدمار الشامل الذي تعرض له قطاع غزة.
وأشار سعد إلى أن العدوان شل عمل آلاف العمال وأقعدهم في بيوتهم، وأصبحت عوائل هؤلاء بلا معيل ولا مصدر للدخل ينفقون منه.
ولفت إلى أن خسائر هؤلاء تجاوزت الـ255 مليون شيقل، غير تعرض مئات المنشآت الصناعية للدمار، ما تسبب بخسائر اقتصادية فاقت الـ 4 مليارات دولار حتى الآن، وتدمير آلاف المنازل على رؤوس ساكنيها، وكان آخر جرائم الاحتلال تدمير برجين سكنيين يقطنهما أكثر من 100 عائلة وأصبحت مشردة.
وفيما يتعلق بالعمل بالقطاع الزراعي، أشار إلى أن أكثر من 17 ألف هكتار من الأراضي الزراعية تضررت تضررا مباشرا، كما خسر القطاع نصف عدد الدواجن نتيجة القصف المباشر لمراكز تربيتها أو غياب الأعلاف والماء، فضلا عن انهيار البنية التحتية والمنشآت العامة في قطاع غزة.
وناشد سعد منظمة العمل الدولية وجميع الاتحادات العمالية النقابية الدولية والعربية مواصلة حملات التضامن مع شعبنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ووقف شلال الدم النازف من قطاع غزة، والعمل على إعادة بناء قطاع غزة من أجل عودة العمال إلى مواقعهم، والحيلولة دون انهيار الوضع الإنساني في القطاع.

بطالة متفاقمة

بدوره، توقع الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، أن ترتفع معدلات البطالة لتتجاوز نسبة الـ 50 % بعد أن كانت 41 %، وأن 30 ألف شخص سينضمون إلى جيش البطالة البالغ عدده أصلا 180 ألف شخص، بعد فقدانهم لمصدر دخلهم الوحيد.
وتوقع الخبير الاقتصادي أيضا أن ترتفع معدلات الفقر في القطاع المحاصر لتصل إلى 60 % بدلا من 38 %، لافتا إلى أن انقطاع التيار الكهربائي المتواصل كانت له نتائج كارثية على مختلف الأوضاع الإنسانية في القطاع.
وذكر الطباع أن طبقة العمال هي أكثر الطبقات تضررا من العدوان الحالي، مشيرا إلى أن وضع العمال سيشهد مزيدا من التردي، ما لم يُرفع الحصار وتفتح المعابر وتنشط الحركة الإنتاجية في غزة، وتفتح سوق العمل العربية في وجه العمال الفلسطينيين.
واقترح الطباع، ضرورة إنشاء هيئة خاصة مستقلة لإعادة إعمار قطاع غزة، ممثلة من القطاع العام والخاص وجميع الجهات ذات الاختصاص، وذلك للتنسيق والإشراف على جميع المشاريع.
كما اقترح التجهيز بشكل سريع لعقد مؤتمر دولي للمانحين، والتحضير الجيد لعقد مؤتمر للمستثمرين العرب والأجانب لحثهم على الاستثمار في قطاع غزة، وإطلاق حملة عربية ودولية لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي على مدار ثماني سنوات، وتعويض كل المتضررين في جميع المجالات خلال السنوات السابقة.
ودعا إلى تنفيذ برنامج عاجل وفوري لتوفير منازل بديلة للسكن المؤقت للذين أصبحوا بلا مأوى، وتقديم إغاثة عاجلة للشركات والمصانع والمحال التجارية التي تدمرت بشكل كلي وجزئي.
وقال الطباع: «إن أي تهدئة مقبلة مع الاحتلال الإسرائيلي يجب أن تشترط على إنهاء حصار قطاع غزة الفوري، وفتح جميع المعابر التجارية لجميع الواردات والصادرات دون قيود أو شروط من الاحتلال الاسرائيلي».
وأضاف: يجب أن تكفل «التهدئة» لمواطني القطاع حرية الحركة والسفر للخروج من السجن المغلق على مدار ثماني سنوات من الحصار والدمار، وتضمن التواصل الجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -