ركود في سوق العقارات والأراضي بقطاع غزة.. والخسائر بالملايين

ركود في سوق العقارات والأراضي بقطاع غزة.. والخسائر بالملايين
الاحد 18 أيار ( 19 رجب) 2014 العدد 6655 

اقتصاديون يحذرون من كارثة اقتصادية إذا استمر الحصار
مواطنون يدعون لوضع إستراتيجية للنشاط العمراني

حياة وسوق - حسن دوحان - مع إغلاق قوى الأمن المصرية الأنفاق على الحدود الفلسطينية المصرية التي أوجدت ظاهرة "أغنياء الحصار" لاستغلالهم حاجات المواطنين للغذاء والدواء والمواد البترولية والعمل على تهريبها بأسعار مرتفعة، بدأت ظاهرة الارتفاع الجنوني في العقارات والأراضي تتراجع نتيجة حالة الركود التي يشهدها قطاع غزة منذ نحو عام، وبالتالي تراجعت أسعار الشقق والأراضي سواء السكنية أو الزراعية، رغم اشتداد الحصار الإسرائيلي وعدم إدخال مواد البناء منذ نحو ثمانية أشهر ما أدى إلى إلحاق أكثر من 180 ألف عامل لطوابير البطالة (أي بمعدل 700000 ألف مواطن بدون دخل).
وخلال تجوالك في قطاع غزة تلفت انتباهك إعلانات بيع أو تأجير لشقق سكنية أو قطع أراضي على أبواب المحال التجارية والمساجد والأماكن العامة.
ومنذ ثلاثة شهور، ينتظر المواطن رأفت عبود (44 عاما) من حي التفاح بغزة زبونا لبيع شقته الكائنة في أحد أبراج غزة ولكن دون جدوى نظرا لارتفاع سعرها واستنكاف التجار عن شراء الشقق أو الاتجار بها رغم كثرة الأسئلة والاتصالات التي تأتيه للاستفسار عن قيمتها. ويقول عبود: "منذ ثلاثة أشهر أبحث عن مشتر لشقتي دون جدوى، وأخشى الآن أن أضطر لبيعها بأي سعر لأنني بحاجة للمال".
ويشير أنه تحدث إلى أكثر من تاجر أراضي وسمسار عقارات للبحث له عن مشتر، لكن حركة البيع والشراء معدومة في غزة ولا أحد يأتي ليشتري وإنما ليسأل عن الأسعار فقط".

الركود وأغنياء الحصار
ورغم المنع الإسرائيلي لمواد البناء من الدخول إلى قطاع غزة، وإغلاق السلطات المصرية الأنفاق الحدودية، إلا أن ذلك لم يسهم في انتعاش سوق العقارات والأراضي كما حدث خلال أعوام 2008، 2009، 2010، 2011 والتي شهدت ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار العقارات والأراضي.
وارتبطت ظاهرة غلاء أسعار العقارات والأراضي بظاهرة "الأغنياء الجدد" التي طفت في المجتمع الفلسطيني بعد أحداث الرابع عشر من حزيران عام 2007، ونتيجة الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة لجأت أعداد من المواطنين للعمل في الأنفاق وأصبحت مصدر دخل مهم لهم.
ويبلغ تعداد الأغنياء الجدد حسب إحدى الدراسات العلمية ما يربو عن ستمئة مليونير إضافة إلى الآلاف ممن باتوا يملكون دون المليون دولار.
ويقول المواطن بسام محمود (43 عاما) من خان يونس: "منذ توقف عمل الأنفاق بدأت حالة ركود في سوق العقارات والأراضي ولكن ما زالت الأسعار متماسكة نظرا لاحتكار تلك الأراضي من قبل عدد محدود من التجار والأغنياء الجدد الذين قاموا بشرائها في إطار عمليات غسيل الأموال".
ويوضح ان مشكلة الركود تزامنت مع توقف الأعمال الإنشائية في كافة المشاريع الخاصة والتجارية، ما يعني وجود خسائر كبيرة، ويشير إلى الأغنياء الجدد الذين كانوا يشترون الأراضي والعقارات بأسعار مضاعفة وسط غياب الرقابة الرسمية عليهم والضحية طبعا الفقراء وذوو الدخل المحدود.
ودعا الحكومة المقبلة لإنقاذ الفقراء من خلال تخصيص قطع أراض لهم أو بناء مشاريع اسكانية لهم، معربا عن خشيته من تحول قطاع غزة الى مكان لعيش الأغنياء فقط.
ركود يقابله انخفاض محدود
ورغم وجود أراض وعقارات كثيرة معروضة للبيع إلا أن حجم البيع ضعيف للغاية دون أن يؤثر ذلك على الأسعار بشكل كبير كما يقول تاجر الأراضي عادل زعرب الذي برر ذلك بقلة مساحة الأراضي في قطاع غزة وزيادة عدد السكان.
وقال: "لذلك ستبقى الأسعار مرتفعة رغم كثرة المعروض من الأراضي والعقارات".
وتبلغ مساحة قطاع غزة 360 كم مربعا وتعتبر صغيرة نسبة لتعداد السكان الذي يبلغ حسب احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قرابة المليون وثمانمئة ألف نسمة، ويعد من أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان.
ويرجع صاحب مكتب الوحدة للعقارات وتجارة الأراضي عادل زعرب ارتفاع أسعار الأراضي إلى وجود دخل لدى بعض الناس، إضافة إلى الكثافة السكانية الكبيرة في القطاع، بينما مساحة الأراضي محدودة، واتجاه ممن لديهم أموال للاستثمار في الأراضي لعدم وجود مجالات أخرى.
ويؤكد زعرب ان ارتفاع أسعار الأراضي ليس في فلسطين فقط وإنما على مستوى العالم.
ويقول زعرب "وصل سعر متر الأرض في مركز مدينة رفح بين 1500 - 1700 دينار أردني، والأراضي العادية يتراوح سعرها بين 80 - 250 دينارا للمتر الواحد"، وتوقع انخفاضا بسيطا في ظل حالة الركود نظرا لأن مساحة القطاع صغيرة وعدد السكان كبير وفي ازدياد متواصل.
وأدى احتكار الأراضي من قبل تجار لرفع أسعارها بشكل فلكي في إطار عمليات غسيل الأموال، فمنزل في جباليا مثلا مساحته 100 متر في شارع الترنس أصبح يباع بـ 400 ألف دينار أردني.
ووصل سعر دونم الأرض في مدينة غزة بين أربعة إلى خمسة ملايين دولار، بينما بلغ سعر الشقة السكنية في المخيمات بين 60 - 65 ألف دولار، أما الشقق في مدينة غزة فأصبح سعرها 120 ألف دولار، والشقة غير المشطبة سعرها 110 آلاف دولار.

التخطيط العمراني
ويشكو أهالي قطاع غزة من غياب التخطيط العمراني الاستراتيجي. ويقول المواطن عمر عابد من مدينة غزة: "للأسف عندما يأتي المواطن الفقير يبني تغلق الأبواب في وجهه وتأخذ الأرض منه، أما الأغنياء فتتم مشاركتهم في شراء الأراضي وبيعها بأرقام فلكية، إحنا تعبنا وزهقنا بدنا شقق وخطط واضحة تنصف الفقراء، لا يوجد سكن للفقراء وذوي الدخل المحدود".
ويضيف عابد "لقد تم تحويل منطقة زراعية لمبان لأن من اشترى بها هم من التجار والأغنياء، وأصبحت مناطق للأثرياء الجدد، الذين يشترونها ويقيمون الفلل والقصور عليها، أما نحن في منطقة بجوارها لم يعترفوا بنا ويمنعوننا من البناء".
ويدعو عابد إلى إيجاد استراتيجية واضحة للنشاط العمراني، يكون ضمن أهدافه الحفاظ على المناطق الزراعية خاصة مع وجود ازدياد سكاني حسب الإحصائيات بنسبة 3,5 % كل عام، الأمر الذي يتطلب التخطيط وليس العشوائية في العمل.
وكانت المساحة العمرانية عام 2005 تشكل 21 % من مساحة قطاع غزة, وفي عام 2008 ازدادت إلى 28 % بواقع 102كم، فالنمو العمراني يزداد بشكل سنوي أكثر من 2 %.
التوسع عموديا
ويؤكد نائب رئيس اتحاد المقاولين العرب أسامة كحيل وجود ركود غير مسبوق في أسواق العقارات والأراضي في غزة الأمر الذي أثر سلبا على أسعارها وأدى لانخفاضها بشكل كبير.
وبين كحيل ان الركود في قطاعي العقارات والأراضي جاء بعد فترة طويلة من انتعاشهما وتشجع المستثمرين المحليين على بناء الأبراج السكنية وتقطيع الأراضي الواسعة لبيعها للأسر.
ويقول كحيل: "في ظل المصالحة ستكون هناك انتعاشة في سوق العقارات والأراضي، ولكن التجار والمواطنين متخوفون الا تنجز المصالحة ما ضاعف من حالة الركود، وبات الجميع ينتظر الشروع في تنفيذ خطوات اتفاق المصالحة قبل المغامرة بشراء العقارات والأراضي".
ويوضح كحيل ان "تجارة العقارات والأراضي باتت مرتبطة بتنفيذ المصالحة"، مؤكدا تراجع أسعار الأراضي والعقارات مقارنة بالسنوات السابقة مع اقراره بأن أسعارها في قطاع غزة تعتبر مرتفعة ولا تتناسب مع دخل المواطنين.
ودعا كحيل للعمل على إدخال مواد البناء وتشجيع أهالي غزة للتوسع بالبناء عموديا خاصة في ظل قلة الأراضي.
ويرى مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية والمحلل الاقتصادي د. ماهر الطباع ان الركود الذي تشهده غزة مرتبط بالوضع العام والحالة الاقتصادية السائدة في فلسطين والتي طالت المجالات الاقتصادية كافة.
ويقول الطباع: "الركود له أسبابه المتعلقة بإغلاق المعابر والأنفاق الحدودية وتوقف آلاف المواطنين عن العمل وانخفاض القوة الشرائية والوضع المضطرب سياسيا الأمر الذي دفع المستثمرين المحليين للتريث". وأضاف: "حتى المواطنين باتوا في حالة ترقب وانتظار للأوضاع السياسية".
ويضيف الطباع "الركود الذي ضرب مجال بيع العقارات في قطاع غزة وصلت خسائره إلى مئات ملايين الدولارات".
وتوقع أن يعود النشاط القطاعي العقارات والإنشاءات عقب تشكيل حكومة التوافق الوطني، وإنهاء الانقسام.
ويؤكد الطباع أن نقص مواد البناء وتوقف مشاريع الإسكان الخاصة منذ ستة أشهر، أدى إلى ركود كبير في كافة القطاعات.
ويقول: "الأزمة طالت حتى المواد الغذائية، والأنفاق واقفة وتجارها الآن يبيعون الأراضي التي اشتروها، وإذا لم يتم رفع الحصار عن قطاع غزة في ظل حكومة الوفاق ودخول مواد البناء ستكون هناك مشكلة، كما أن هناك ارتفاعا في حجم الشيكات المرتجعة من البنوك، وبعض التجار ورجال الأعمال اعلنوا افلاسهم".
وأكد الطباع انه إذا رفع الحصار سيحدث انتعاش في كل القطاعات الصناعية والغذائية وسوق الأراضي والعقارات، وحذر من كارثة إذا تواصل الحصار.
ويقول: "الاستثمار في سوق العقارات والأراضي يعتبر من الاستثمارات الآمنة في قطاع غزة ورغم ذلك هناك أضرار لحقت بالمستثمرين نظرا لعدم إدخال مواد البناء وانخفاض أسعار الأراضي".
ويضيف الطباع: "عندنا عجز في كافة المرافق نتيجة الحصار، عجز في مباني المدارس والإسكان الخاص بذوي الدخل المحدود، أما ذوو الدخل المرتفع فلديهم مبان وشقق كثيرة وتوجد مبان كثيرة لهم".
وحسب تقديرات رسمية فان 65 % من المواطنين في قطاع غزة يعيشون دون معدل الفقر، بينما تتراوح نسبة البطالة
38 % إلى 44 %، والبطالة في صفوف الشباب 63 %.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -