الحركة الصناعية في غزة .. تتجه إلى العدم .. عُمال وأصحاب مصانع: أصبحنا في عداد الفقراء


الحركة الصناعية في غزة .. تتجه إلى العدم .. عُمال وأصحاب مصانع: أصبحنا في عداد الفقراء

غزة- محاسن أُصرف
لم تعد المصانع تُدير عجلات محركاتها للإنتاج، بينما تعطل آلاف العمال في كافة القطاعات الصناعية وارتفعت معدلات البطالة بين الخريجين وفقًا لتعطل المرافق الإنتاجية وشح ميزانيات الحكومة بغزة لتفعيل مشاريع التشغيل المؤقت، وسادت حالة من الفقر ألبست %70 من الغزيين ثوب البؤساء.
هذا ما أتى به إغلاق الأنفاق الأرضية على الحدود بين مصر وقطاع غزة، على الحركة الإنتاجية وأكدت عليه وزارة الاقتصاد في غزة في بياناتها الإحصائية، فتحدثت عن خسائر فادحة في قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والنقل والبناء بنسبة %16.6 وقيمة مالية تجاوزت 230 مليون دولار شهريًا وأدت إلى تراجع نمو الناتج المحلي لـ %3 وارتفاع مؤشر أسعار المستهلك وفقًا لارتفاع الأسعار بسبب الإجراءات الأمنية الإسرائيلية وتكاليف النقل.

ووفقًا لخبراء ومختصين فإن إغلاق السلطات المصرية لأكثر من %80 من الأنفاق  حرم أصحاب المصانع في قطاع غزة من دخول الوقود المصري والمواد الخام اللازمة لتشغيل مصانعهم، وأكدوا أن الطاقة الإنتاجية لمصانع غزة تقلصت للنصف تقريبًا داعين الحكومة إلى إيجاد بديل يُخفف من حدة تأثيراتها السلبية على المرافق العامة في القطاع.
«الحدث» ترصد حال الحركة الصناعية في قطاع غزة وآثار هدم الأنفاق وسياسات الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق المعابر على معدلات الإنتاج ومعدلات الفقر والبطالة بين المواطنين.
تقلص الإنتاج
وتبدو معاناة المصانع في قطاع غزة جراء هدم الأنفاق مزدوجة خاصة في ظل استمرار أزمة الكهرباء وتفاقمها من وقتٍ لآخر تبعًا لنقص الوقود المشغل لمحطة التوليد الوحيدة بالقطاع بحسب حالة المعابر وارتفاع أسعار الوقود الإسرائيلي، يقول أحد أصحاب مصانع الخياطة في غزة: «هدم الأنفاق ساهم في تقليص إنتاج المصنع والآن بات متعطلاً عن العمل تمامًا»، ويُشير سامي كلّش أنه كان يعتمد على الوقود المُهرب إلى غزة عبر الأنفاق لتشغيل مصنعه ومع هدمها تقلص إنتاج مصنعه إلى النصف بينما أدى به استمرار انقطاع التيار الكهربائي إلى تغيير جدول ما تبقى من العمال لديه وفقًا لجدول وجود الكهرباء، وتابع أنه لا يستطيع في ظل ركود حركة السوق المجازفة بشراء الوقود الإسرائيلي لتشغيل مصنعه خاصة وأن ثمن الأخير ضعف الوقود المصري الذي لم يكن يتجاوز 3.4 شواقل للتر بينما الإسرائيلي 7 شواقل للتر.
يتمنى كلّش أن تنتهي أزمات القطاع وتعود عجلة الإنتاج تدور في مصنعه ليتمكن من الإيفاء بالتزاماته تجاه أسرته ويُعيد تشغيل العمال الذين اضطر لتسريحهم وفقًا لتضاؤل الإنتاج في مصنعه بنسبة %50 - وفق تقديراته-.
%30 من المصانع مُعطلة
وتُشير معلومات وزارة الاقتصاد في قطاع غزة إلى تعطل قرابة %30 من المصانع العاملة في القطاع جراء هدم الأنفاق واستمرار إغلاق المعابر التي حرمت تلك المصانع من المواد الخام الخاصة بخطوط إنتاجها، وبخاصة المصانع الكيميائية والغذائية.
وأوضح عبد الفتاح أبو موسى الناطق الرسمي باسم الوزارة، أن تعطل المصانع من جهة واعتماد بعض المصانع الأخرى على الوقود الإسرائيلي من شأنه أن يرفع تكلفة إنتاج السلع مما ينعكس على أسعارها بالارتفاع أيضًا، مطالبًا الحكومة المصرية بفتح معبر رفح البري لإدخال الوقود والتخفيف من الأزمات المتلاحقة في القطاع والتي أنهكت المواطن الغزي، مؤكدًا أن ما يدخل لقطاع غزة من سلع عبر معبر «كرم أبو سالم» لا يفي %40 من احتياجات السكان.
عودة لمربع الفقر
فيما يشكو عبد الهادي الحرازين، 35 عامًا توقفه عن العمل مُجددًا بعد فسحة أمل عاشها خلال عامي 2010 – 2012 كان فيها يقضي جُل أوقاته بين تلال الحصى والرمال وقضبان الحديد يُعمر بنايات ويُساهم في تشطيبها، يقول: «لقد توقفت الحركة العمرانية في قطاع غزة بفعل إغلاق الأنفاق ومنع الاحتلال مواد البناء من الدخول للقطاع». ويُتابع «أصبحنا في عداد الفقراء وننتظر على قوائم البطالة لحين إيجاد مشاريع بنية تحتية أو مشاريع عمرانية»، ويُعيل «الحرازين» 22 فردًا باتوا جميعًا على قارعة الفقر يشكون الفاقة فلا دخل لهم، وتقول زوجته: «بالكاد نفي بأدنى المتطلبات الأساسية لأطفالنا»، وتتمنى أن تسمح «إسرائيل» بإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة ليعود زوجها على رأس عمله وينتشلهم من حالة الفاقة التي يُعانون منها».
تعطل المشاريع العمرانية
وشهد قطاع البناء والإنشاءات في قطاع غزة تعطلًا كليًا بعد تدمير الأنفاق الأرضية على الحدود مع مصر وإغلاق المعابر بين القطاع والجانب الإسرائيلي، ولم يتمكن المقاولون من استكمال مشاريعهم أو البدء بأعمال جديدة، وفي هذا السياق يُحذر «علي الحايك» رئيس اتحاد الصناعات الإنشائية في قطاع غزة من واقع قطاع الإنشاء والبناء في قطاع غزة وآثاره على تعطل آلاف العمال عادوا إلى العمل مع الانفراج الذي حدث في الحصار عام 2010 وقال لـ «الحدث»: «إن كثيراً من المشاريع العمرانية في القطاع المُحاصر أوقفت حتى المشاريع الدولية مثل وكالة الغوث»، وأضاف أن استمرار أزمة الوقود وانقطاع التيار الكهربائي قلص من ساعات عمل المصانع على مدار سنوات الحصار ولم تعمل المصانع بأكثر من %20 من طاقتها الإنتاجية،  مُحذرًا من كارثة اقتصادية إنسانية اجتماعية ستنفجر تبعاتها على المواطن الغزي بفعل تشريد آلاف العمال وتعطل الكثير من المنشآت الخاصة بالمواطن والمجتمع الدولي.
تبعات ...
وأدى توقف القطاعات الصناعية في غزة إلى ازدياد معدلات البطالة بين الشباب الغزي وتدهور أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية ووصلت نسب البطالة – وفق إحصائيات الربع الثالث للعام 2013 للمركز الفلسطيني للإحصاء- إلى %32.5 فيما أشارت وزارة العمل بغزة أن النسبة مع نهاية العام المنصرم وصلت إلى %40، وقالت الإحصاءات إن تعطل قطاع البناء وحده شرد أُسر ما يزيد عن 130 ألف عامل وأوقعهم تحت طائلة الفقر ورجحت أن تتزايد مُعدلات البطالة في ظل استمرار منع إدخال المواد الأساسية اللازمة للصناعات بالإضافة إلى استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي وشُح السولار المشغل لآلات المرافق الصناعية في القطاع.
وذكر المحلل الاقتصادي د. محمد مقداد أن كافة القطاعات الاقتصادية في قطاع غزة أُصيبت بالشلل التام وأن معدلات إنتاجها تسير إلى العدم في ظل استمرار إجراءات الاحتلال الإسرائيلي العقابية لقطاع غزة وهدم الأنفاق مؤخرًا على الحدود مع مصر والتي كانت تزود القطاعات الصناعية بحوالي %70 من احتياجاتها اللازمة للإنتاج، وقال لـ «الحدث»: «جميع القطاعات تختنق والقطاعات الصناعية متوقفة».
فيما أشار د. ماهر الطبّاع مدير العلاقات العامة والإعلام بالغرفة التجارية بغزة إلى تراجع مساهمة الأنشطة الاقتصادية في الناتج المحلي بنسبة تجاوزت الـ %60 منذ بدء الحصار وصولًا إلى هدم الأنفاق، وأوضح لـ «الحدث» بالتفصيل التداعيات على القطاعات الاقتصادية فقال إن: «القطاع الصناعي شهد انخفاض طاقته الإنتاجية، بينما شهد قطاع التجارة حالة ركود غير مسبوقة في الأسواق نتيجة ارتفاع معدلات البطالة وضعف القدرة الشرائية للمواطنين»، وبيَّن أن حالة الركود التجاري انعكست على حركة الواردات من خلال معبر كرم أبو سالم موضحًا أن عدد الشاحنات التي ترد يوميًا إلى القطاع تتراوح بين 250-200 شاحنة فقط.
وتطرق «الطبّاع» إلى تأثر قطاع السياحة بفعل إغلاق معبر رفح المنفذ الوحيد لسكان القطاع مع العالم الخارجي، وقال إن: «الإغلاق الأخير لمعبر رفح جعل نسبة إشغال الفنادق والمطاعم والمنتجعات السياحية في القطاع معدومة»، والسبب وفق تقديره هو تقييد حركة الوفود المتضامنة في الوصول إلى قطاع غزة نتيجة إجراءات الحكومة المصرية وإغلاقاتها المتكررة لمعبر رفح لحين استتباب الأمن.
وبحديث البيانات أكد «الطبّاع» نسبة خسائر فرص العمل في القطاعات الاقتصادية تفاوتت بين %17 لقطاع الصناعة، %14 لقطاع الزراعة بينما قطاع الخدمات وصلت خسائره %36 وتساوت خسائر قطاع النقل والمواصلات مع قطاع الزراعة بحيث بلغت أيضًا %14 وكانت خسائر قطاع المقاولات %13 بينما كبد إغلاق الأنفاق على قطاع التجارة الداخلية خسائر في فرص العمل بنسبة %6.
حلول ...
وفي إطار الحلول للأزمة دعا «الحايك» الحكومة في غزة إلى العمل الجدي والسريع لإيجاد بدلائل فعلية تُخرج قطاع البناء وكافة القطاعات الصناعية التي تعطلت من بوتقة الحصار وإغلاق المعابر سواء باتفاقٍ دولي لإدخال المواد الأساسية للصناعات المختلفة أو بالتوافق مع الحكومة في رام الله ومطالبة الأخيرة بالضغط على المجتمع الدولي وتحمل مسئولياتها تجاه القطاع للضغط على «الاحتلال الإسرائيلي» مستخدمة علاقاتها الدولية لرفع الحصار وإنهاء معاناة القطاعات الصناعية والمواطنين.
فيما لم تملك وزارة الاقتصاد في غزة في إمكانياتها البسيطة إلا أن تُقدم حلولًا جزئية فقط في إطار إدارة الأزمة وليس حلها جذريًا لاعتبارات الحصار والانقسام، وقال أبو موسى لـ «الحدث»: «في إطار الأزمة المتفاقمة عامًا بعد عام بفعل الحصار واستمرار الانقسام تبقى الحلول التي نُقدمها بسيطة جدًا».
وحاولت وزارة الاقتصاد في غزة بعد إغلاق الأنفاق ومع استمرار شُح الوقود المُشغل للمصانع وندرة المواد الخام حاولت توفير بعضها من أجل استمرار الإنتاج وتلبية احتياجات السوق قدر المستطاع، كما وتواصلت مع القطاع الخاص لإيجاد حلول دون جدوى.
وطالب «أبو موسى» بتحقيق المصالحة الوطنية بأسرع وقت ممكن مؤكدًا أنها ستفتح آفاق النمو في الاقتصاد الفلسطيني، وستنعكس بشكل إيجابي على المواطن بتحسين واقعه المعيشي وحصوله على احتياجاته، ودعا إلى ضرورة أن تُمارس كافة المؤسسات الدولية الضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل رفع الحصار نهائيًا عن قطاع غزة وفتح معبر كرم أبو سالم لكافة الواردات دون التقييد بنوع أو كمية السلع، والسماح بخروج المنتجات الصناعية والزراعية وتسويقها في الخارج.
واتفق «الطبّاع» مع «موسى»  مشددًا على ضرورة أن تأخذ المؤسسات والهيئات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة والرباعية دورها للعمل الجاد والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لرفع الحصار عن قطاع غزة وإدخال كافة احتياجاته من الواردات دون التحكم بالنوع والكم ودون قيود أو شروط والسماح بتسويق منتجات قطاع غزة الصناعية والزراعية في أسواق الضفة الغربية وتصدير تلك المنتجات للعالم الخارجي بما يُحقق إنهاء أسوأ وأطول وأشد حصار يشهده العالم في القرن الواحد والعشرين.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -