حصاد اقتصاد قطاع غزة خلال عام 2012
د. ماهر تيسير الطباع
خبير و محلل اقتصادي
29/12/2012
مازال الاقتصاد في قطاع غزة يعاني من سياسة الحصار التي تفرضها إسرائيل على القطاع للعام السادس على التوالي , هذا بالإضافة إلى الحروب و الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة و التي عمقت من الأزمة الاقتصادية نتيجة للدمار الهائل التي تخلفه للبنية التحتية و كافة القطاعات و الأنشطة الاقتصادية.

وتنفيذا لاستمرار سياسة الحصار و المعبر التجاري الأوحد لقطاع غزة و تطبيقا لقرار الحكومة الإسرائيلية بإغلاق معبر المنطار(كارني) بشكل نهائي في نهاية شهر مارس 2011 , شرعت الحكومة الإسرائيلية في بداية عام 2012 و بتاريخ 2/1/2012 بإزالة معبر المنطار(كارني) بشكل نهائي و ذلك حتى لا يخضع المعبر في المستقبل لأي مفاوضات لإعادة فتحة , وتكريس وجود معبر كرم أبو سالم كمعبر تجاري وحيد لكافة واردات وصادرات قطاع غزة .

و ساهم إغلاق معبر المنطار(كارني) في تكريس الحصار المفروض على قطاع غزة كما أدي إلى العديد من الآثار السلبية , ومن أهمها ارتفاع أجرة نقل البضائع من معبر كرم أبو سالم إلى غزة و التي تحملها المستهلك الفلسطيني , كما تسبب بأزمة مرورية كبيره على شارع صلاح الدين حيث أن البنية التحتية لهذا الشارع لا تستوعب حركة الشاحنات مما تسبب في وقوع العديد من حوادث الطرق البشعة خلال الفترة السابقة.

كما تأثرت منطقة غزة الصناعية بشكل سلبي من إغلاق معبر المنطار(كارني) , حيث أن المنطقة الصناعية صممت خصيصا بجوار المعبر للاستفادة من سهولة دخول المواد الخام للمصانع وسهولة تصدير المنتجات الجاهزة من تلك المصانع إلى الخارج .

ونتيجة لاستمرار الحصار و إغلاق المعابر التجارية للعام السادس على التوالي , ارتفعت معدلات البطالة و الفقر في قطاع غزة , ويعتبر عام 2008 الأسوأ في ارتفاع معدلات البطالة حيث بلغت نسبة البطالة 44.8% , و بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني بلغ عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية حوالي 120 ألف شخص خلال الربع الثالث لعام 2012 بنسبة 31.9% , أي بزيادة بحوالي 3.5% عن نتائج الربع الثاني لعام 2012 و التي بلغت 28.4% و من المتوقع ارتفاعها في الربع الرابع لعام 2012 نتيجة تداعيات الحرب الأخيرة على غزة , كما ارتفعت نسب البطالة بين الخريجين ممن يحملون شهادة الدبلوم و البكالوريوس لتصل إلى 57.5 % في كافة التخصصات. 
وشهد عام 2012 ارتفاع نسبة العاملين في مجال البناء و التشييد إلى 9% من إجمالي القوى العاملة في قطاع غزة حسب بيانات الربع الثالث من عام 2012 , وذلك بعد أن كان 6.8 % في الربع الرابع من عام 2011 , ووصل إلى الحد الأدنى في عام 2008 حيث بلغت نسبة العاملين في مجال البناء و التشييد 0.8 % , وجاء الارتفاع في نسبة العاملين في مجال البناء و التشييد نتيجة لحركة البنيان الواسعة للعمارات السكنية الذي يشهدها قطاع غزة بفعل انخفاض أسعار مواد البناء الواردة عبر الإنفاق لتصل إلى الأسعار الرسمية الواردة من المعابر الرسمية و تنفيذ بعض المشاريع الممولة محليا و الممولة من المؤسسات الدولية و المؤسسات العربية و الإسلامية المتضامنة مع قطاع غزة.

كما ساهم الحصار في تواصل انقطاع التيار الكهربائي الدائم والمستمر وبشكل يومي منذ أكثر من ستة سنوات نتيجة لعدم كفاية كميات السولار الواردة إلى القطاع و اللازمة لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة و عدم السماح بدخول قطع الغيار اللازمة لصيانة المحطة , مما زاد من معاناة المواطنين في قطاع غزة الاقتصادية و الاجتماعية و النفسية , حيث تقطع الكهرباء يوميا من 8 ساعات إلى 12 ساعة اعتمادا على حجم الأحمال و الضغط على شبكة الكهرباء.

واستمرارا لسياسة التضييق و الخنق المالي مازالت إسرائيل تفرض قيود على دخول كافة أنواع العملات لقطاع غزة مما ساهم في أزمة خانقة في السيولة النقدية أدت إلى إرباك العمل في الجهاز المصرفي وتسببت في العديد من المشاكل بين البنوك و المواطنين و الموظفين.
وشهد عام 2012 تصدير شحنتين من الملابس إلى السوق البريطانية , و خروج عينات من الأثاث للمشاركة في معارض بالمملكة الأردنية الهاشمية , كما تم تصدير شحنة من أسرة الأطفال إلى تونس , و استمر تصدير المنتجات الزراعية الموسمية إلى الأسواق الأوربية , و ما زالت إسرائيل تمنع تسويق كافة المنتجات الصناعية و الزراعية في الضفة الغربية و الأسواق الإسرائيلية كما تمنع تصدير العديد من المنتجات إلى الأسواق الخارجية.
كما شهد قطاع غزة خلال عام 2012 انطلاق مشاريع المنحة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة و التي رصد لها ما يزيد عن 400 مليون دولار  , حيث انتاب المواطنين في قطاع غزة  حالة من التفاؤل و الأمل بالخروج من حالة الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من ستة سنوات و إعادة الاعمار و الانتعاش الاقتصادي , و فتح آفاق جديدة للعمل أمام العمال و الخريجين و خفض نسب البطالة المرتفعة , لكن للأسف الشديد هذه الحالة لم تستمر أكثر من شهر وكأنة مكتوب على أهالي قطاع غزة بأن يقبعوا في مستنقع الحصار و الدمار , حيث فاجأت إسرائيل الجميع بشن الحرب الثانية على قطاع غزة بتاريخ 14/11/2012 أي بعد أربع سنوات من الحرب الأولى والتي مازال قطاع غزة يعاني من أثارها السلبية الاقتصادية و الاجتماعية نتيجة للدمار والخراب التي خلفته , و عمقت الحرب الثانية المشاكل الاقتصادية حيث تعرض قطاع غزة على مدار 8 أيام من العدوان إلى تدمير البنية التحتية لقطاع الخدمات العامة وتدمير مباني المؤسسات العامة والمنازل السكنية والجمعيات والممتلكات الخاصة و المؤسسات و المنشآت الاقتصادية و الأراضي الزراعية، حتى أنها وصلت إلى المؤسسات الصحية و التعليمية و الإعلامية و الرياضية  و المساجد  و المقابر و التي نتج عنها خسائر مادية فادحة في كافة القطاعات و الأنشطة الاقتصادية والخدمية.

و ألقت الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عدة سنوات بظلالها على الأوضاع الاقتصادية و المعيشية في قطاع غزة , حيث شهد عام 2012 تصاعدا غير مسبوق في الأزمة إلى أن وصلت إلى طريق مسدود بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كدولة مراقب , مما ترتب علية حجز الأموال الخاصة بالضرائب و الجمارك الفلسطينية من قبل الحكومة الإسرائيلية و التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة و تقدر قيمتها بما يزيد عن 100 مليون دولار شهريا , و انعكست الأزمة المالية على تأخر صرف رواتب الموظفين الحكوميين مما تسبب بحالة من الركود التجاري و الاقتصادي نتيجة لضعف القوة الشرائية و تراكم الالتزامات على الموظفين.

ويقدر الاحتياج الخارجي من الدعم 1.3 مليار دولار في عام 2012 , وأدي التراجع  في الدعم الخارجي وعدم التزام العديد من الدول المانحة بوعودها المالية  إلى أزمة مالية كبيرة , تسببت في تراكم ديون على السلطة الوطنية بمبلغ يزيد عن 1.6 مليار دولار للبنوك المحلية و القطاع الخاص الفلسطيني.

وشهد عام 2012 دخول أول دفعة من المواد اللازمة للمشاريع القطرية عن طريق جمهورية مصر العربية من خلال معبر رفح البري , مما أعطى بريق أمل جديد لإعادة فتح معبر رفح التجاري بعد إغلاقه تجاريا مع بدء انتفاضة الأقصى عام 2000 , كما يعتبر دخول المواد عبر معبر رفح البري خطوة هامة على طريق كسر الحصار المفروض على قطاع غزة.

و بالرغم من  الحصار المستمر منذ ستة سنوات  و الحروب و الهجمات العسكرية المتكررة على قطاع غزة و المعيقات و الأزمات الجمة التي يوجهها , إلا أنة مازال ينبض بالحياة و الأمل نحو مستقبل أفضل و ليتحقق ذلك يجب رفع الحصار الكامل عن قطاع غزة وفتح كافة المعابر التجارية ودخول كافة أنواع البضائع دون قيود أو شروط مسبقة و السماح بتصدير كافة أنواع المنتجات الصناعية و الزراعية من قطاع غزة إلى أسواق الضفة الغربية و العالم الخارجي.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -