المشاريع القطرية و أثرها على اقتصاد غزة

المشاريع القطرية و أثرها على اقتصاد غزة

د. ماهر تيسير الطباع
خبير و محلل اقتصادي
 3/11/2012
تعتبر زيارة سمو الأمير القطري الشيخ حمد بن خليفة أل ثاني وزوجته الشيخة موزه بنت ناصر المسند ورئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم والوفد المرافق لهم لقطاع غزة تاريخية بكل المقاييس , فهي أعطت بريق الأمل لكافة مواطني قطاع غزة في إعادة الحياة لأكثر من مليون وسبعمائة آلف مواطن عانوا على مدار خمس سنوات من الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة و الحرب البشعة التي شنتها إسرائيل على القطاع في عام 2008 والتي دمرت فيها البشر و الحجر فدمرت المساجد و المدارس و المستشفيات هذا بالإضافة إلي المساكن الخاصة و المنشآت الحكومية المدنية و العسكرية والبني التحتية.

و يمثل قطاع غزة شريحة صغيرة من فلسطين التاريخية , بمساحة تصل إلى (360) كم مربعاً تطل على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، ويشترك بالحدود مع كل من جمهورية مصر العربية وإسرائيل و يصل عدد السكان فيه إلى 1.7 مليون وسبعمائة ألف نسمة , ويعتبر قطاع غزة من المناطق السكانية الأكثر كثافة في العالم , ويتميز اقتصاد قطاع غزة بأنة يتأقلم مع كافة الظروف المتغيرة و يعتبر القطاع الخاص مساهما رئيسيا في النمو الاقتصادي ويعتمد 85% من سكان قطاع غزة على المساعدات المقدمة من وكالة الغوث ومنظمة الغذاء العالمي وبعض الجمعيات الخيرية و الاغاثيه التابعة لدول عربية و أجنبية.

و تأثر الاقتصاد الفلسطيني بالحصار المفروض من الجانب الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من خمس سنوات , حيث قامت إسرائيل بممارسة سياستها بالعقاب الجماعي فقامت بتاريخ 15/6/2007 بإغلاق كافة المعابر التجارية المؤدية إلي قطاع غزة وفرضت الحصار والإغلاق الشامل علي قطاع غزة , وبهذا الإغلاق و الحصار فرضت الإقامة الجبرية والعقاب الجماعي على سكان القطاع والبالغ عددهم نحو مليون وسبعمائة آلف مواطن وأصبح القطاع سجن كبير جميع مفاتيحه بأيدي الاحتلال الإسرائيلي , وساهم الحصار و الإغلاق في ضعف نمو الاقتصاد وتدمير كافة القطاعات الإنتاجية , وأدت الحرب الأخيرة على قطاع غزة إلي زيادة المشكلات الاقتصادية و ذلك بعد استهداف إسرائيل لأكثر من 1500 منشأه اقتصادية أثناء فترة الحرب , و حسب تقديرات الاونكتاد فإن الحصار و الإغلاق المتواصلين يكلفان الاقتصاد الفلسطيني خسارة ما بين 600 و800 مليون دولار في السنة، أي قرابة 13% من إجمالي الناتج المحلي , و مع تواصل الإغلاق والحصار الإسرائيلي تراكمت إجمالي الخسائر الاقتصادية خلال الفترة ما بين عامي 2008 و2011 لتصل إلي 2.6 مليار دولار أي 54% من حجم الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني لعام 2008 , هذا بالإضافة إلى خسائر الحرب الاقتصادية المباشرة التي بلغت 1.9 مليار دولار حسب تقديرات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني نتيجة الحرب الإسرائيلية التي استمرت 22 يوما , وأدت الأوضاع الاقتصادية الصعبة لتدني نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الأرض الفلسطينية حيث بلغ 1,614 دولار أميركي خلال العام 2011.
و هدفت زيارة سمو الأمير القطري لافتتاح مشاريع المنحة السخية و الكريمة التي قدمتها دولة قطر الشقيقة لتمويل العديد من المشاريع الحيوية والإستراتيجية في قطاع غزة والتي من أهمها إعادة تأهيل شارع صلاح الدين الممتد من شمال إلى جنوب قطاع غزة , شارع الرشيد(البحر) , شارع الكرامة , مدينة سمو الأمير الشيخ حمد السكنية , ومستشفى سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة للأطراف الصناعية.
وسوف تساهم المشاريع القطرية بدفع عجلة الاقتصاد في قطاع غزة , و فتح آفاق جديدة للعمل أمام العمال و الخريجين و في خفض نسب البطالة المرتفعة والتي بلغت في الربع الثاني من عام 2012 حسب تقديرات مركز الإحصاء الفلسطيني 28.4% , وبلغ عدد العاطلين عن العمل 105 ألف عامل في قطاع غزة , كما يعاني الخريجين في قطاع غزة من قلة توفر فرص العمل و مع ازدياد أعداد الجامعات و الكليات في قطاع غزة زاد عدد الخريجين بشكل ملحوظ وساهم الحصار المفروض على قطاع غزة في زيادة معاناة الخريجين في البحث عن فرصة عمل و ذلك نتيجة للوضع الاقتصادي المتردي في قطاع غزة وعدم استيعاب القطاع الخاص لمزيد من الخريجين و توقف القطاع العام عن التوظيف نتيجة للظروف الراهنة التي يمر بها.
وبلغ معدل البطالة بين الخريجين الشباب 35.6% خلال الربع الثاني من عام 2012 حسب إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني , ومن المتوقع أن تشغل المشاريع القطرية ما يزيد عن 15000 ألف عامل هذا بالإضافة إلى العديد من الخريجين في تخصصات مختلفة خلال فترة تنفيذ المشاريع و التي سوف تستغرق ثلاث سنوات هذا بالإضافة إلى إنعاش القطاع الخاص الفلسطيني بكافة قطاعاته الاقتصادية , حيث أن كافة المشاريع القطرية سوف تنفذ بأيدي فلسطينية بدأ من التصاميم الهندسية والفنية حتى المراحل النهائية.
كما أن المشاريع القطرية سوف تفتح المجال و الفرصة أمام المستثمرين العرب و الإسلاميين و الأجانب للاستثمار في قطاع غزة , و ذلك نتيجة احتياج  القطاع إلى العديد من الاستثمارات الكبيرة في كافة القطاعات الاقتصادية كالبنية التحتية , النقل و المواصلات , المطار , الميناء , القطاع الصناعي , القطاع الزراعي , قطاع السياحة , قطاع تكنولوجيا المعلومات , التعليم , الصحة , الكهرباء , و سوف يتمتع المستثمر في فلسطين بالاستفادة من كافة الامتيازات الخاصة بالاتفاقيات التجارية الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية و دول العالم المختلفة و التي تعطي أفضلية في التعاملات الخارجية للمنتج الفلسطيني , كما سوف يستفيد المستثمر من الإعفاءات الجمركية الخاصة بالمنتجات الفلسطينية لدي تصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبي و أمريكا و العديد من الدول العربية , هذا بالإضافة إلى العديد من الحوافز الذي يمنحها قانون الاستثمار الفلسطيني.

إن دعم دولة قطر الشقيقة لقطاع غزة ليس بجديد فلقد تبرعت ب 25 ألف طن من السولار القطري لتشغيل محطة الكهرباء في إبريل الماضي  و ذلك للمساهمة في حل مشكلة الكهرباء المزمنة التي يعاني منها قطاع غزة منذ أكثر من ستة سنوات , والتي أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي الدائم والمستمر وبشكل يومي مما زاد من معاناة المواطنين في قطاع غزة الاقتصادية و الاجتماعية و النفسية , و الصحية , حيث تقطع الكهرباء يوميا من 8 ساعات إلى 12 ساعة حسب حجم الأحمال و الضغط على الشبكة.

ويأتي تنفيذ المنحة القطرية بعد انتظار دام ما يزيد عن ثلاث سنوات على إعلان سمو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة وتبرع له بمبلغ 250 مليون دولار خلال القمة الاقتصادية العربية التي انعقدت في الكويت في شهر يناير عام 2009 أي بعد الحرب على غزة مباشرة , وتبرعت في نفس القمة دولة الكويت بنصف مليار دولار و المملكة العربية السعودية بمليار دولار لإعادة إعمار غزة.
 كما أكدت دولة قطر على منحتها الخاصة بإعادة إعمار قطاع غزة في مؤتمر شرم الشيخ و الذي عقد تحت عنوان "إعادة إعمار قطاع غزة" في شهر مارس من عام 2009 و شارك في المؤتمر نحو 70 دولة و16 منظمة إقليمية ودولية، واشتركت في رعايته كل من الأمم المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والسعودية وإيطاليا , وبلغت مجمل التبرعات المالية التي تعهدت الدول المشاركة في مؤتمر إعادة إعمار غزة 4 مليار و481 مليون دولار , لم ترى غزة منهم شيء سوى المنحة القطرية و التي تضاعفت أثناء زيارة سمو الأمير القطري لقطاع غزة لتصل إلى 400 مليون دولار.

ومنذ إعلان موعد زيارة سمو الأمير وإسرائيل تحاول التصعيد على قطاع غزة لإلغاء الزيارة ولكنها فشلت أمام إصرار الأمير القطري على زيارة غزة وتمت الزيارة وحققت نجاحا على كافة الأصعدة إذ تعتبر الخطوة الأولي الجادة لكسر الحصار عن قطاع غزة وبدأ إعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي في حربه الأخيرة و هجماته المتكررة على قطاع غزة , وفور انتهاء الزيارة صعدت إسرائيل من هجماتها للتأثير على النجاح الذي حققته الزيارة , لكن وفي اعتقادي بأن دولة قطر ماضية في تنفيذ مشاريعها في قطاع غزة شاء من شاء و آبى من آبى , لأنة لا يعقل أن يبقي قطاع غزة رهينة للتهديدات الإسرائيلية في ظل عدم وجود أي أفق لحلول سياسية قادمة.

كما إن الحديث عن دخول المواد اللازمة للمشاريع القطرية عن طريق جمهورية مصر العربية بعد موافقة الرئاسة المصرية , يعطي بريق أمل جديد لإعادة فتح معبر رفح التجاري بعد إغلاقه تجاريا مع بدء انتفاضة الأقصى عام 2000 , وكسر الحصار نهائيا عن قطاع غزة و السماح بتصدير المنتجات الصناعية والزراعية من قطاع غزة للعالم الخارجي , حيث تمنع إسرائيل عمليات التصدير من قطاع غزة منذ أكثر من ست أعوام.

ويأمل الفلسطينيون في قطاع غزة أن تحذو الدول العربية الشقيقة حذو دولة  قطر وتكون على قدر المسؤولية اتجاه أبناء الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال و الحصار والبطالة والفقر , و بالوفاء بالالتزامات والدعم التي تعهدت بتقديمه خلال مؤتمر شرم الشيخ حتى تتم عملية إعادة اعمار قطاع غزة.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -